مع وعينا التام بان التوحيد قديم قدم المعتقدات " الدينية" الأنطولوجية الاولى وبأشكال بسيطة ومعقدة في ان واحد ، فان ولادة ونمو " الدين التوحيدي " الاول أخذ فترة طويلة في التكون والتشكل تجاوزت العشر قرون وهي ما نسميها لحظات التشكل الاولى، وهي لحظات عسيرة ، فاليهودية تعد اول دين اتخذ طابعا نظاميا ونسقا أفضى الى بناء لاهوت واسخاتولوجيا، راوحت بين التنظيم اي الشريعة والفقه" القوانين" وبين التفكير والقول في الذات والصفات للبدء والمبدء والعلات وهو اللاهوت، وبين الفقه واللاهوت مسافة تمايز هامة.
في القديم لا نجد اسما لدين بعينه بل نجد عبادات مرتبطة بآلهة ومجمع آلهة اتفق كثيرون على تسميتها " بالوثنية" ولكن هذه " الأديان الوثنية" لا تحمل اسما في مصر يجعلها تختلف عن مثيلتها في بابل او قرطاج او أثينا ولا روما وان اختلفت اسماء الآلهة وتراتبيتها ، وان تنوعت أساطيرها وتفسيراتها لعلة الوجود وغاياته، ولكنها حشرت حديثاً في اسم واحد ألغى عنها تنوعها واحيانا تناقضها ، فهي" ديانات " وثنية في الجمع، ولكن بدون تمييز بينها، وكانها واحدة وان اختلفت، وهي ظاهرة قديمة تعود الى الجذور، حيث ان هذه العبادات وآلهتها وكهنتها لم يفردوها باسم خاص لنسق معتقدات بذاته، وهو ما تفردت به المعتقدات العبرانية الاسرائيلية والتي تسمت اولا بعبادة " يهوه" و"يهوه الوهيم ادوناي" في فترات اخرى ، واطلق عليها علماء سوسيولوجيا الأديان والتاريخ الديني مصطلح الموسوية، الى ان أطلقت هي على نفسها صفة: " اليهودية" كنظام عبادة وتفسير لاهوتي لجوانب اليومي والميتافيزيقي، في القرن السادس ق. م واصبح اتباعها يهودا، كتميز لغيرهم من الناس، فنشأت بذلك التسمية : اليهود والأمم ، وكانت اليهودية منذ ولادتها ، كما Iورد في سفرعزرا النبي ، وسفر استير ديانة تبشيرية شملت بني اسرائيل والمتهودين ، فظاهرة اعتناق دين بعينه نشأت بالتالي مع اليهودية، ففي الأديان التي تعرف بالوثنية يكون الانتقال من عبادة رب الى اخر سلس ولا يمثل تحولا وانتقالا، بل هو مواصلة للعبادة ولكن بشكل مختلف ولسبب مغاير، فالارباب لها اختصاصاتها ، بينما اليهودية كانت شمولية، ومن هنا تطور بداخلها الطبع النسقي واللاهوت النظامي systematic .
فمهدت السبيل بما سيعرف بالمسيحية ، والتي تسمت هكذا من غير اتباعها كما يرد في سفر اعمال الرسل من الإنجيل ، فلا يسوع / عيسى ولا تلاميذه/ الحواريين في كتبهم ورسائلهم استعملوا المصطلح : مسيحيين، وهو ما يرد أيضاً في المصادر الخارجية عن الثقافة العبرية ككتابات تاسيتوس وتيتوس ليڤوس، لكن الاسم تجذر لاحقا لتتميز عن الدين اليهودي الذي خرجت من رحمه وورثت كتبه بعد ان رفضت تقاليده الشفوية والتي ستعرف لاحقا بالثقافة التلمودية. كما تمايزت عن العبادات الرومانية والشرقية الاخرى. وتاصلت في شرقيتها لتصبح شرعية في الغرب بعد اعتناق الامبراطورية الرومانية لها لتصبح دين الدولة رغم ان المسيح نفسه من قال " اعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله " الا ان القيصر أخذ ما لله وجمع الزمني و والروحي ، لتتحول المسيحية من ديانة مضطهدة الى ديانة دولة تظطهد الاخرين . وكدين رسمي للدولة تكون اول ديانة توحيدية تمزج بين السياسة والدين، ليكون الاسلام الدين التوحيدي الاخر والقريب من العائلة الإبراهيمية ( خيمة ابراهيم كجد موحد لليهودية والمسيحية والإسلام) ، معلنا ذاته دينا وهي خاصية لم تعلمها ولم تعلنها النصوص المؤسسة لليهودية( التوراة) ولا المسيحية(الإنجيل) ، وهي أيضاً دين الاله " ان الدين عند الله الاسلام" والاهم انها دين ودولة منذ زمن مؤسسها وهو الدور الذي لم يضطلع به المسيح ، وان كان موسى قائد عسكري ، ولكنه لم يكن قائدا سياسيا ولا كاهنا وهو الدور الذي تولاه كل من هارون ( كاهن) ويشوع القائد السياسي.
انه من المهم تبين التطور داخل المنظومة الدينية ذاتها للتأكد من الطابع البشري والتطوري الابستمولوجي داخل انساقها.
عماد دبور